وزير الأوقاف: الغرب يحاول أن يفرض قيمه وأنماط حياته الخاصة على الشرق ، ولا أن يحاول الشرق حمل الغرب حملا على مفردات حضارته وثقافته وقيمه وتراثه
ابتداءً نؤكد أن مؤتمر ” الحضارات في خدمة الإنسانية ” الذي شاركنا في افتتاحه وبعض ندواته بالعاصمة المنامة بدولة البحرين الشقيقة يُعد نقطة مضيئة ولبنة قوية في ترسيخ أسس الحوار وتقوية أواصره .
ولا شك أن المراكز والمعاهد والمنتديات والمؤتمرات المتعلقة بالحوار بين الحضارات صارت ظاهرة تنم عن شدة الوعي بأهمية الحوار وخطورة الصدام ، غير أنها – وإن كانت تسهم في تخفيف حدة التوتر – إلا أنها لم تؤت أكلها المنشود على أرض الواقع ، فثمارها لما تنضج بعد .
ولا شك – أيضًا – أننا ينبغي أن نعظم دور المراكز والمعاهد المعنية بالحوار بين الأديان والثقافات والحضارات ، وأن نعمل على الإفادة من التوصيات التي تنتهي إليها البحوث والمنتديات والمؤتمرات المتعلقة بهذا الشأن ، وأن نبني ذلك على مرتكزات محددة وأسس واضحة للحوار .
ومن أهم هذه الأسس :
1- تحكيم لغة العقل و رغبة جميع الأطراف في نبذ العنف والكراهية والتطرف والإرهاب ، إيمانًا بأن قضية الصراع ليس فيها رابح مطلق أو خاسر مطلق ، وأن عواقب الصراع والعنف والتطرف وخيمة على الإنسانية جمعاء ، وأنه لا بديل للإنسانية عن البحث في القواسم والمصالح المشتركة ، ونقاط الالتقاء لما فيه خير البشرية بعيدًا عن الحروب والصراعات والقتل والاقتتال والتخريب والتدمير .
2- السعي إلى التعارف ، وطريق الانفتاح على الثقافات الأخرى ، وليس الانغلاق المحكم الذي يؤدي بنا إلى الخوف من الآخر المجهول ، فتعميق الوعي بالآخر وثقافته ومجريات حياته يجعله بالنسبة لنا أقل غرابة ، ويجعل الحوار معه أكثر يُسرًا وأسهل مأتى وتناولا .
وقد حثنا الإسلام على هذا التعارف والسعي إليه فقال سبحانه : ” وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا ” ، ويقولون مَن جَهَل شيئًا عاداه ، وإذا كان الحكم على الشيء فرعًا عن تصوره كما يقول المناطقة فلابد أن نتعرف على ما لدى الآخر من قيم ومثل وثقافات ، وأن نحلل ذلك تحليلا جيدًا محايدًا ومنصفًا قبل الحكم له أو عليه ، وألا تكون لدينا أحكام وقوالب جاهزة مسبقة في الحكم على الآخرين .
وهو ما تنبه إليه شيوخ الأزهر الشريف عبر تاريخه الطويل ، فكتب الشيخ محمد عرفه في مجلة الأزهر عام 1946م : يجب أن يفهم الغرب الإسلام ، وأن يفهم الإسلام مدينة الغرب ، فإنهما إذا تفاهما زال ما بينهما من سوء ظن ، وأمكن أن يعيشا معًا متعاونين ، يؤدي كل منهما نصيبه من خدمة الإنسانية ، كما ينبغي على العلماء المسلمين أن يبنوا مدينة الغرب على حقيقتها ليحل التعارف محل التناكر ، ويحل السلام محل الخصام .
3- أن تكون لدى جميع الأطراف الرغبة الحقيقية في إعلاء القيم المشتركة وتجنب جميع مظاهر الأنانية والاستعلاء ، يقول فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر في كلمته التي ألقاها في افتتاح مؤتمر “الحضارات في خدمة الإنسانية” بالعاصمة البحرينية المنامة : لقد كان المسلمون منصفين لأصحاب الحضارات الأخرى إلى أبعد الحدود ، حتى وإن خالفوهم الرأي وعارضوهم فيه ، وقد بلغ من إنصاف المسلمين أنهم كانوا يقبلون الحق من غيرهم ويشكرونهم عليه ، ويتحفظون على ما يخالف الحق ويعذرونهم فيه ، يقول الفيلسوف المسلم ابن رشد محددًا منهجه في الأخذ من ثقافة اليونان وغيرهم: ” يجب علينا أن ننظر في الذي قالوه وما أثبتوه في كتبهم ، فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم، وسُررنا به ، وشكرناهم عليه ، وما كان منها غير موافق للحق نبّهنا عليه وحذّرنا منه ، وعذرناهم .
ولا شك أن التعالي والاستعلاء من جانب الغرب قد أضاعا على العالم فُرصًا كبرى للتلاقُح والتثاقُف بين حضارة الغرب وحضارات الشرق ، والتي هي أعرق من حضارة الغرب ، وأكثر منها عقلانية وواقعية ، وكان بإمكانها – لو تخلّى الغرب عن سياسة الاستعلاء – أن تُنقذ العالم من حروب القرن الماضي ، وما خلّفته من كوارث وخراب ودمار ، بل ومن الحروب التي تتربّص به اليوم من جديد .
هذا التعاون أو التعارف بين الحضارات ، والذي أضاعه الغرب ، وكان مصدر أسى وندم عند عقلائه وحكمائه تَنبّه إليه شيوخ الأزهر منذ أربعينيات القرن الماضي، ودعوا إليه ، وإلى نشر ثقافة التسامح لصالح البشرية كلها .
4- التركيز على الإفادة من النافع والمفيد ، وغض الطرف عن خصوصيات الآخر الثقافية التي لا تتفق مع قيمنا وحضارتنا ، في ضوء الاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب ، من غير أن يحاول الغرب أن يفرض قيمه وأنماط حياته الخاصة على الشرق ، ولا أن يحاول الشرق حمل الغرب حملا على مفردات حضارته وثقافته وقيمه وتراثه ، بل على الجميع أن يُعلي من شأن القيم المشتركة من حرمة الدماء والأعراض والأموال ، والحرص على الأمانة والصدق والوفاء وما أجمعت عليه الشرائع السماوية والقيم الإنسانية ، فيبحث الجميع عن المتفق عليه ، ويعذُر بعضهم بعضًا في المختلف فيه .